السودان: الفاشر المنكوبة... الجوع يهدد حياة آلاف السكان والنازحين
يعيش السودانيون العالقون في مدينة الفاشر أزمات متعددة يفاقمها تفشي الجوع بعد أسبوعين على سيطرة قوات الدعم السريع على أكبر مدن إقليم دارفور، بينما أوضاع النازحين من المدينة متردية للغاية.
تضاعفت معاناة سكان مدينة الفاشر السودانية منذ سيطرة قوات الدعم السريع عليها في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نتيجة فظاعة الانتهاكات الإنسانية التي ارتكبت ضد المدنيين الذين عاشوا حصاراً استمر 18 شهراً حرموا خلاله من الطعام والعلاج، ما سبَّب مقتل مئات منهم، ونزوح الآلاف إلى ولايات ومناطق مختلفة بحثاً عن الأمان.
وتحولت الكثير من مساكن الفاشر إلى أطلال، بينما يتفشى الجوع بين الأهالي بسبب نفاد المواد الغذائية، مع توقف عمل المستشفيات، وعدم توفر الأمن، واعتقال المدنيين، وارتكاب انتهاكات مختلفة بحقهم.
تصف فاطمة إسحاق، وهى أم لستة أبناء، ما يعيشونه بأنه "عذاب يومي"، وتقول: "يعاني جميع من تبقوا في الفاشر الجوع منذ أشهر، إذ لا يتوفر أي نوع من الطعام، ولا توجد أسواق أو متاجر توفر المواد الغذائية لأن المنطقة غير آمنة، ما يمنع النشاط التجاري، حتى إن المطابخ الجماعية التي كانت تقدم الطعام للأهالي والنازحين توقفت بسبب نفاد المواد الغذائية. خلقت الحرب واقعاً مأساوياً طاول جميع المواطنين، فالأنشطة كلها توقفت، ولا توجد تجارة ولا زراعة، وغالبية الناس تعرضوا للانتهاكات الممنهجة، كما فقدوا مدخراتهم، ما تركهم جوعى بصورة قد لا يصدقها من لم يرهم".
ويسرد عدد من العالقين في الفاشر، وآخرون وصلوا إلى مدينة طويلة في جبل مرة، أو إلى مدينة الدبة في الولاية الشمالية، بعض تفاصيل معاناتهم مع الجوع والعطش ونقص الخدمات في المدينة التي قاوم سكانها الحصار بتناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار.
يقول عالق في إحدى القرى القريبة من الفاشر، طلب عدم ذكر اسمه لدواع أمنية: "الأمن مفقود، والطعام شبه معدوم، والجوع متفش بين الجميع، وكثيرون أُجبروا على البقاء، وحرموا من النزوح إلى مناطق آمنة. لا مواد غذائية، ويستحيل توفيرها حالياً، وحتى لو توفرت للبيع، فلا يمتلك العالقون المال لشرائها، فخلال أشهر الحرب نفدت مدخرات الناس الذين فقدوا أعمالهم منذ أكثر من عامين، وعاشوا محاصرين تحت القصف وفي ظل انتهاكات مروعة، واليوم بعد سيطرة الدعم السريع، يواجهون الجوع الشديد، ويعاني أطفالهم سوء التغذية".
بدوره، يقول المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال: "يعيش الكثير من سكان الفاشر ظروفاً إنسانية قاهرة في الوقت الحالي، بعد معاناتهم السابقة طوال فترة الحصار، والتي كانت من أسوأ الأوقات التي يمر بها الإنسان، وعانوا خلالها الجوع لدرجة أن بعضهم تحولوا إلى هياكل عظمية يغطيها الجلد من تطاول أمد الجوع".
ويتابع رجال: "آلاف الأشخاص الذين نزحوا من الفاشر حكوا عن أوضاع إنسانية بالغة السوء بسبب نفاد الغذاء، ولجوء بعض المواطنين إلى تناول أوراق الأشجار، والمعاناة مستمرة حتى اليوم، والأمل حالياً معقود على الهدنة الإنسانية لتوفير الطعام للجوعى، وتخفيف معاناة النازحين. الكثير من الناس ماتوا خلال الأشهر الماضية بسبب الجوع والأمراض، وأكثر المتضررين هم كبار السن والأطفال، والحديث عن مجاعة ليس مبالغة، بل واقع يعيشه السكان والنازحون منذ فترة طويلة".
وذهبت وعود الدعم السريع بتوفير المواد الغذائية وسحب المسلحين إلى خارج المدينة ونشر الشرطة لحفظ الأمن أدراج الرياح، ولم تنفَّذ أيٌّ من هذه الاستحقاقات الإنسانية الضرورية للسكان الذين عايشوا الجوع وتجرعوا مرارة ندرة الخدمات منذ اندلاع الحرب في منتصف إبريل/ نيسان 2023.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية، الأحد، أن أكثر من 7 آلاف نازح إضافي نزحوا من مدينة الفاشر إلى مواقع متفرقة بالولاية نفسها، ليرتفع عدد النازحين إلى 88 ألفا و892 شخصا منذ 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو يوم سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة. وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في وقت سابق، إن "المدنيين المصدومين لا يزالون محاصرين داخل الفاشر، ويُمنعون من المغادرة. أخشى استمرار الفظائع المروعة داخل المدينة، مثل الإعدامات والاغتصاب والعنف بدوافع عرقية. من تمكنوا من الفرار يتعرضون لعنف لا ينتهي في طرق المغادرة التي تعد مسرحاً لقسوة لا يمكن تصورها".
ونقلت منظمة "أطباء بلا حدود" عن نازحين من الفاشر قصصاً مروّعة تشمل التعذيب على أساس عرقي، وحالات اغتصاب وإعدام، وقالت المنظمة الدولية في تقرير الجمعة، إن "ستة من كل عشرة بالغين خضعوا للفحص كانوا يعانون الجوع".
تمكنت المسنة سلوى آدم (65 سنة) من النزوح إلى منطقة طويلة التي تبعد عن الفاشر نحو 68 كيلو متراً، وتقول لـ"العربي الجديد": "أقسى صنوف المعاناة التي يعانيها سكان الفاشر هى الجوع، فقد نفدت المواد الغذائية في أثناء الحصار الذي كان مفروضاً على المدينة، ما أدى إلى موت العشرات بسوء التغذية. قبل النزوح إلى طويلة، كنت أتوقع أننا سنموت جميعاً بالجوع، وعندما غادرنا تركنا خلفنا الآلاف عالقين في المدينة التي لم تدخلها أية مواد غذائية، ومنذ سيطرة الدعم السريع عليها لم يسمح للسكان بمغادرتها، وباتوا مجبرين على تحمل الجوع وانعدام الرعاية الطبية".